الفرق بين تأخير الصلاة وإخراجها عن وقتها
في صحيح مسلم ، طلب الصحابة رضوان الله عليهم الإذن بقتال
الأئمة الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها ، فقال صلى الله عليه
وسلم "لا ما داموا يقيمون الصلاة "
فكيف نفهم معنى تأخير الصلاة عن وقتها ؟.
الحمد لله
وبعد : فجزاك الله على حرصك على فهم ما يتعلق بأمور دينك خاصة الصلاة ، ونسأل الله أن يعينك على القيام بهذه الأمانة العظيمة ـ أمانة إمامة الناس في صلاتهم ـ
وأما ما سألت عنه ففيه عدة أمور :
الأول :الذي ورد في صحيح مسلم هو : طلب الصحابة الإذن بقتال الأئمة الذين يبدلون ويغيرون حتى أنهم يأتون بأشياء جديدة ينكرها الصحابة رضوان الله عليهم ، ولاشك أن تأخير الصلاة عن وقتها نوع من هذا التغيير.فلم يأذن لهم ما دام الإمام مقيما للصلاة .
وورد أيضا في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه سيكون هناك أئمة يؤخرون الصلاة عن وقتها فأمر الصحابة بأن يصلوا الصلاة لوقتها ويجعلوا صلاتهم معهم نافلة وهذه بعض ألفاظ الأحاديث.
أولا : الأحاديث الدالة على النهي عن قتال الأئمة الذين يغيرون ويبدلون مالم يتركوا الصلاة :
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ قَالُوا أَفَلا نُقَاتِلُهُمْ قَالَ لا مَا صَلَّوْا " صحيح مسلم برقم( 1854)
وعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ فَقَالَ لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلَاةَ وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلَاتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ وَلَا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ "
ثانيا : الأحاديث الدالة على أن الأئمة سيأخرون الصلاة عن وقتها ومع هذا أمر بالصلاة معهم ، ولم يأمر بقتالهم :
عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ : " كَيْفَ أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا أَوْ يُمِيتُونَ الصَّلاةَ عَنْ وَقْتِهَا قَالَ قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي قَالَ صَلِّ الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ "
الثاني : أن المراد بالأئمة في الحديث هم الأمراء كما هو واضح في حديث أم سلمة وأبي ذر رضي الله عنهما .
الثالث : وهو محل السؤال : معنى تأخير الصلاة عن وقتها :- فالمقصود به في الحديث ؛ تأخيرها عن وقتها المختار ، قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم :
"قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَيْف أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْك أُمَرَاء يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاة عَنْ وَقْتهَا أَوْ يُمِيتُونَ الصَّلاة عَنْ وَقْتهَا ؟ قَالَ : قُلْت : فَمَا تَأْمُرنِي ؟ قَالَ : صَلِّ الصَّلاة لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْتهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَك نَافِلَة ) , وَفِي رِوَايَة : ( صَلُّوا الصَّلاة لِوَقْتِهَا وَاجْعَلُوا صَلاتكُمْ مَعَهُ نَافِلَة ) مَعْنَى يُمِيتُونَ الصَّلَاة : يُؤَخِّرُونَهَا ; فَيَجْعَلُونَهَا كَالْمَيِّتِ الَّذِي خَرَجَتْ رُوحه , وَالْمُرَاد بِتَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتهَا , أَيْ عَنْ وَقْتهَا الْمُخْتَار لا عَنْ جَمِيع وَقْتهَا , فَإِنَّ الْمَنْقُول عَنْ الأُمَرَاء الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ إِنَّمَا هُوَ تَأْخِيرهَا عَنْ وَقْتهَا الْمُخْتَار , وَلَمْ يُؤَخِّرهَا أَحَد مِنْهُمْ عَنْ جَمِيع وَقْتهَا , فَوَجَبَ حَمْل هَذِهِ الأَخْبَار عَلَى مَا هُوَ الْوَاقِع . إ . هـ . ( شرح صحيح مسلم 5 / 147 وما بعدها )
وبهذا يتضح لديك وفقك الله أن هناك فرقا بين إقامة الصلاة وبين تأخيرها فليس المراد في الأحاديث تأخيرها عن وقتها حتى يخرج ثم يصلونها ، وإنما المراد تأخيرها عن الوقت المختار كما لو أخر العصر حتى اصفرت الشمس ، أو المغرب حتى كاد يغرب الشفق الأحمر ونحو ذلك ؛ والمقصود بعدم إقامتها :عدم أدائها بالكلية وبهذا تأتلف الأحاديث وتتفق . والله الموفق،،،